فصل: التفسير الإشاري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج الطبراني في الصغير بسند جيد عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ: ألا أعلمك دعاء تدعو به لو كان عليك مثل جبل أحد دينًا لأداه الله عنك؟ قل يا معاذ {اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير أنك على كل شيء قدير} رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، تعطيهما من تشاء وتمنع منهما من تشاء ارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {تؤتي الملك من تشاء} قال: النبوة.
وأخرج ابن جرير عن محمد بن جعفر بن الزبير {قل اللهم مالك الملك} أي رب العباد الملك لا يقضي فيهم غيرك {تؤتي الملك من تشاء} أي أن ذلك بيدك لا إلى غيرك {إنك على كل شيء قدير} أي لا يقدر على هذا غيرك بسلطانك وقدرتك.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن مسعود في قوله: {تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل} قال: يأخذ الصيف من الشتاء ويأخذ الشتاء من الصيف {وتخرج الحي من الميت} يخرج الرجل الحي من النطفة الميتة {وتخرج الميت من الحي} يخرج النطفة الميتة من الرجل الحي.
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن ابن مسعود في قوله: {تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل} قال: قصر أيام الشتاء في طول ليله، وقصر ليل الصيف في طول نهاره.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس {تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل} قال: ما نقص من الليل يجعله في النهار وما نقص من النهار يجعله في الليل.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي {تولج الليل في النهار} حتى يكون الليل خمس عشرة ساعة والنهار تسع ساعات {وتولج النهار في الليل} حتى يكون النهار خمس عشرة ساعة والليل تسع ساعات.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد {تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل} قال: أخذ أحدهما من صاحبه.
وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك في قوله: {تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل} قال: يأخذ النهار من الليل حتى يكون أطول منه ويأخذ الليل من النهار حتى يكون أطول منه.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس {تخرج الحي من الميت} قال: يخرج النطفة الميتة من الحي، ثم يخرج من النطفة بشرًا حيًا.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد {تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي} قال: الناس الأحياء من النطف والنطف ميتة تخرج من الناس الأحياء، ومن الأنعام والنبات كذلك.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة {تخرج الحي من الميت} قال: هي البيضة تخرج من الحي وهي ميتة ثم يخرج منها الحي.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة {تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي} قال: النخلة من النواة والنواة من النخلة، والحبة من السنبلة والسنبلة من الحبة.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي مالك. مثله.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن الحسن {تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي} يعني المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن، والمؤمن عبد حي الفؤاد والكافر عبد ميت الفؤاد.
وأخرج سعد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات وأبو الشيخ في العظمة عن سلمان قال: خمر الله طينة آدم أربعين يومًا، ثم وضع يده فيه فارتفع على هذه كل طيب، وعلى هذه كل خبيث، ثم خلط بعضه ببعض، ثم خلق منها آدم. فمن ثم {تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي} يخرج المؤمن من الكافر ويخرج الكافر من المؤمن.
وأخرج ابن مردويه من طريق أبي عثمان النهدي عن سلمان الفارسي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما خلق الله آدم عليه السلام أخرج ذريته فقبض قبضة بيمينه فقال: هؤلاء أهل الجنة ولا أبالي، وقبض بالأخرى قبضة فجاء فيها كل رديء فقال: هؤلاء أهل النار ولا أبالي، فخلط بعضهم ببعض فيخرج الكافر من المؤمن ويخرج المؤمن من الكافر فذلك قوله: {تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي}.
وأخرج ابن مردويه من طريق أبي عثمان النهدي عن ابن مسعود أو عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم {تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي} قال: «المؤمن من الكافر، والكافر من المؤمن».
وأخرج عبد الرزاق وابن سعد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق الزهري في قوله: {تخرج الحي من الميت} عن عبدالله بن عبدالله أن خالدة ابنة الأسود بن عبد يغوث دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «من هذه؟» قيل: خالدة بنت الأسود قال: «سبحان الله الذي يخرج الحي من الميت» وكانت امرأة صالحة وكان أبوها كافرًا.
وأخرج ابن مسعود من طريق أبي سلمة بن عبدالرحمن عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم. مثله.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس، أنه كان يقرأ {يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي} خفيفة.
وأخرج عبد بن حميد عن يحيى بن وثاب، أنه قرأ {يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي} وقرأ {إلى بلد ميت} [فاطر: 9] مثقلات كلهن.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع في قوله: {وترزق من تشاء بغير حساب} قال: لا يخرجه بحساب يخاف أن ينقص ما عنده. أن الله لا ينقص ما عنده.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ميمون بن مهران {بغير حساب} قال: غدقًا.
وأخرج ابن جرير عن محمد بن جعفر بن الزبير {تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي} أي بتلك القدرة التي تؤتي الملك بها من تشاء وتنزعها ممن تشاء {وترزق من تشاء بغير حساب} لا يقدر على ذلك غيرك، ولا يصنعه إلا أنت. أي وإن كنت سلطت عيسى عليه السلام على الأشياء التي تزعمونه أنه إله. من إحياء الموتى، وإبراء الأسقام، وخلق الطير من الطين، والخبر عن الغيوب لأجعله به آية للناس، وتصديقًا له في نبوته التي بعثته بها إلى قومه، فإن من سلطاني وقدرتي ما لم أعطه. تمليك الملوك بأمر النبوّة ووضعها حيث شئت، وإِيلاج الليل في النهار وإيلاج النهار في الليل، وإخراج الحي من الميت وإخراج الميت من الحي، ورزق من شئت من بر وفاجر بغير حساب، وكل ذلك لم أسلط عيسى عليه ولم أملكه إياه، أفلم يكن لهم في ذلك عبرة وبينة أن لو كان له إلهًا كان ذلك كله إليه، وهو في علمهم يهرب من الملوك، وينتقل منهم في البلاد من بلد إلى بلد. اهـ.

.التفسير الإشاري:

قال الألوسي:
ومن باب الإشارة في الآيات: {شَهِدَ الله أنه لا إله إلا هو} أي أبان بدلائل الآفاق والأنفس أنه لا إله في الوجود سواه، أو شهد بذاته في مقام الجمع على وحدانيته حيث لا شاهد ولا مشهود غيره، وشهد الملائكة وأولو العلم بذلك وهي شهادة مظاهره سبحانه في مقام التفصيل، ومن القوم من فرق بين الشهادتين بأن شهادة الملائكة من حيث اليقين وشهادة أولي العلم من حيث المشاهدة، وأيضا قالوا: شهادة الملائكة من رؤية الأفعال وشهادة أولي العلم من رؤية الصفات، وقيل: شهادة الملائكة من رؤية العظمة ولذا يغلب عليهم الخوف، وشهادة العلماء من رؤية الجمال ولذا يغلب عليهم الرجاء.
وشهادة العلماء متفاوتة فشهادتهم بعض من الحالات، وشهادة آخرين من المقامات، وشهادة طائفة من المكاشفات، وشهادة فرقة من المشاهدات؛ وخواص أهل العلم يشهدون به له بنعت إدراك القدم وبروز نور التوحيد من جمال الوحدانية، فشادتهم مستغرقة في شهادة الحق لأنهم في محل المحو {قَائِمًا بالقسط} أي مقيمًا للعدل بإعطاء كل من الظهور ما هو له بحسب الاستعداد فيتجلى عليه على قدر دعائه {لا إله إلا هو العزيز} فلا يصل أحد إلى معرفة كنهه وكنه معرفته {الحكيم} [آل عمران: 18] الذي يدبر كل شيء فيعطيه من مراتب التوحيد ما يطيق {أن الدين} المرضي {عِندَ الله الإسلام} [آل عمران: 19] وهو المقام الإبراهيمي المشار إليه بقوله: {أَسْلَمْتُ وَجْهِىَ} [آل عمران: 20] أي نفسي وجملتي وانخلعت عن آنيتي لله تعالى ففنيت فيه {إِنَّ الذين يَكْفُرُونَ بآيات الله} وهم المحجوبون عن الدين والساترون للحق بالميل مع الشهوات {وَيَقْتُلُونَ النبيين} الداعين إلى التوحيد وهم العباد والواصلون الكاملون {وَيَقْتُلُونَ الذين يَأْمُرُونَ بالقسط} وهو نفي الأغيار وقصر الوجود الحق على الله تعالى: {مِنَ الناس}، ويحتمل أن يشار بالذين كفروا إلى قوى النفس الأمارة وبالنبيين إلى أنبياء القلوب المشرفة بوحي إلهام الغيوب، وبالأمرين بالقسط القوى الروحانية التي هي من جنود أولئك الأنبياء وأتباعهم، فبشر أولئك الكافرين {بعذاب أليم} [آل عمران: 21] وهو عذاب الحجاب والبعد عن حضرة رب الأرباب {أُولَئِكَ الذين حَبِطَتْ} أي بطلت وانحطت عن حيز الاعتبار {أعمالهم} لعدم شرطها وهو التوحيد {فِى الدنيا} وهي عالم الشهادة {والاخرة} وهي عالم الغيب {وَمَا لَهُم مّن ناصرين} [آل عمران: 22] لسوء حظهم وقلة استعدادهم {أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين أُوتُواْ نَصِيبًا مّنَ الكتاب} كعلماء السوء وأحبار الضلال {يُدْعَوْنَ إلى كتاب الله} الناطق بمقام الجمع والفرق {لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ} وبين الموحدين {ثُمَّ يتولى فَرِيقٌ مّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ} [آل عمران: 23] عن قبول الحق لفرط حجابهم واغترارهم بما أوتوا {ذلك بأنهمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النار} نار البعد {إِلا أَيَّامًا معدودات} أي قليلة يسيرة {وَغَرَّهُمْ في دِينِهِم} الذي هم عليه {مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} [آل عمران: 24] من القضايا والأقيسة التي جاءت بها عقولهم المشوبة بظلمات الوهم والخيال {فَكَيْفَ} يكون حالهم {إِذَا جمعناهم} بعد تفرقهم في صحراء الشكوك وتمزيق سباع الأوهام لهم {لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ} وهو يوم القيامة الكبرى الذي يظهر فيه الحق لمنكره، {وَوُفّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ} صالحة وطالحة {مَّا كَسَبَتْ} بواسطة استعدادها {وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} [آل عمران: 25] جزاء ذلك {قُلِ اللهم مالك الملك} أي الملك المتصرف في مظاهرك من غير معارض ولا مدافع حسبما تقتضيه الحكمة {تُؤْتِى الملك مَن تَشَاء} وهو من اخترته للرياسة الباطنة وجعلته متصرفًا بإرادتك وقدرتك {وَتَنزِعُ الملك مِمَّن تَشَاء} بأن تنقله إلى غيره باستيفاء مدة إقامته في عالم الأجسام وتكميل النشأة، أو تحرم من تشاء عن إيتاء ذلك الملك لظلمه المانع له من أن ينال عهدك أو يمنح رفدك {مَن تَشَاء} بإلقاء نور من أنوار عزتك عليه فإن العزة لله جميعًا {وَتُذِلُّ مَن تَشَاء} بسلب لباس عزتك عنه فيبقى ذليلًا {بِيَدِكَ الخير} [آل عمران: 26] كله وأنت القادر مطلقًا تعطي على حسب مشيئتك وتتجلى طبق إرادتك وتمنح بقدر قابلية مظاهرك {تُولِجُ اليل في النهار} تدخل ظلمة النفس في نور القلب فيظلم {وَتُولِجُ النهار في اليل} وتدخل نور القلب في ظلمة النفس فتستنير وتخلطهما معًا مع بعد المناسبة بينهما {وَتُخْرِجُ} حي القلب من ميت النفس وميت النفس من حي القلب، أو تخرج حي العلم من ميت الجهل وميت الجهل من حي العلم {وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء} من النعم الظاهرة والباطنة، أو من إحداهما فقط {بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران: 27] إذ لا حجر عليك.
هذا ولما بين سبحانه أن إعطاء الملك والإعزاز من الله تعالى وأنه على كل شيء قدير نبه المؤمنين على أنه لا ينبغى أن يوالوا أعداء الله تعالى لقرابة أو صداقة جاهلية أو نحوهما أو أن لا يستظهروا بهم لأنه تعالى هو المعز والقادر المطلق. اهـ.

.تفسير الآية رقم (28):

قوله تعالى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ الله فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ الله نَفْسَهُ وَإِلَى الله الْمَصِيرُ (28)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما بان بهذه الآية أن لا شيء في يد غيره، واقتضى ذلك قصر الهمم عليه، وكان نصارى نجران إنما داموا على موالاة ملوك الروم لمحض الدنيا مع العلم ببطلان ما هم عليه حذر المؤمنين من مداناة مثل ذلك مع كونهم مؤمنين كما وقع لحاطب بن أبي بلتعة رضي الله تعالى عنه مما قص في سورة الممتحنة إشارة إلى أنه لا تجتمع موالاة المؤمنين وموالاة الكافرين في قلب إلا أوشكت إحداهما أن تغلب على الأخرى فتنزعها، فقال تعالى منبهًا على ذلك كله سائقًا مساق النتيجة لما قبله {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ}.
وقال الحرالي: ولما كان مضمون هاتين الآيتين بشرى لخصوص هذه الأمة وعمومها بالعز والملك وختم الرزق الذي لا حساب فيه كان من الحق أن تظهر على المبشرين عزة البشرى فلا يتولوا غيره، ولما قبض ما بأيدي الخلق إليه في إيتاء الملك ونزعه والإعزاز والإذلال، وأظهر إحاطة قدرته على كل شيء وإقامة امتحانه بما أولج وأخرج، وأنبأ عن إطلاق حد العد عن أرزاقه فسد على النفس الأبواب التي منها تتوهم الحاجة إلى الخلق؛ نهي المؤمنين الذين كانت لهم عادة بمباطنة بعض كفرة أهل الكتاب وغيرهم من المشركين ومن شمله وصف الكفر أن يجروا على عادتهم في موالاتهم ومصافاتهم والحديث معهم، لأن المؤمنين يفاوضونهم بصفاء، والكافرون يتسمعون ويأخذون منهم بدغل ونفاق عليهم كما قال تعالى: {هاأنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم} [آل عمران: 119] فنهاهم الله سبحانه وتعالى عما غاب عنهم خبرته وطيته فقال تعالى: {لا يتخذ المؤمنون} أي الراسخون في الإيمان وعبر في أضدادهم بالوصف لئلا يتوهم ذلك في كل من تلبس بكفر في وقت ما فقال: {الكافرين أولياء} ونبه بقوله: {من دون المؤمنين} على أن ولاية أوليائه من ولايته، وأن المنهي عنه إنما هو الولاية التي قد توهن الركون إلى المؤمنين لأن في ذلك- كما قال الحرالي- تبعيد القريب وتقريب البعيد، والمؤمن أولى بالمؤمن كما قال عليه الصلاة والسلام: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا» فأقواهم له ركن، وضعيفهم مستند لذلك الركن القوي، فإذا والاه قوى به مما يباطنه ويصافيه، وإذا اتخذ الكافر وليًا من دون مؤمنه القوي ربما تداعى ضعفه في إيمانهم إلى ما ينازعه فيه من ملابسة أحوال الكافرين، كما أنهم لما أصاخوا إليهم إصاخة أوقعوا بينهم سباب الجاهلية كما في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقًا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين} [آل عمران: 100] وكما قال سبحانه وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين} [آل عمران: 149]، ولم يمنع سبحانه وتعالى من صلة أرحام من لهم من الكافرين، ولا من خلطتهم في أمر الدنيا فيما يجري مجرى المعاملة من البيع والشرى والأخذ والعطاء وغير ذلك ليوالوا في الدين أهل الدين، ولا يضرهم أن يباروا من لم يحاربهم من الكافرين- انتهى.
ولما كان التقدير: فمن تولاهم وكل إليهم وكان في عدادهم، لأنه ليس من الراسخين في صفة الإيمان عطف عليه ترهيبًا لمن قد تتقاصر همته فيرضى بمنزلة ما دون الرسوخ قوله: {ومن يفعل ذلك} أي هذا الأمر البعيد من أفعال ذوي الهمم الذي يكون به في عداد الأعداء بعد هذا البيان ومع رفع هذا الحجاب الذي كان مسدولًا على أكثر الخلق {فليس من الله} أي الذي بيده كل شيء فلا كفوء له {في شيء} قال الحرالي: ففي إفهامه أن من تمسك بولاية المؤمنين فهو من الله في شيء بما هو متمسك بعنان من هو له وسيلة إلى الله سبحانه وتعالى من الذين إذا رؤوا ذكر الله- انتهى.